الأربعاء، 14 ديسمبر 2011

إلــى مريــم

بعض الأحلام انعكاسات للواقع..
بعضها رسائل..
بعضها لفت انتباه لنقاط غفلنا عنها..
بعضها فيه الراحة لأرواحنا ، وببعضها شقاء كنا في غنى عنه..
بعضها ترجمات لمشاعرنا..
وبعضها.. مجرد أحلام.

تشابهت ليالي تللك الفترة، أنام باكية، وأستقيظ دون أن أملك رغبة في أن أعيش يومي..
الحزن.. كان العنوان الرئيسي لأيامي.. تليه مشاعر الإنكار، الغضب، والإكتئاب.. يليه شعور عظيم بالذنب، ذنب لم أقترفه وحملته لفترة، شعور الذنب الناتج عن عجزي..

رغم تشابه الليالي.. إلا أن ليلة واحدة أذكرها، وسط أيام رمادية ضبابية فاقدة للملامح..
بدت ليلة اعتيادية.. بكاء، نوم، وأحلام مختلطة حزينة وغاضبة..
أنهض.. أتقلب في الفراش.. أعود للنوم والأحلام.. ولكن كان هذا الحلم مختلف..

أركض كي ألحق بمحاضرتي، صديقتي تسبقني، باسمة تسلم على الجميع، أحثها أن تسرع كي لا نتأخر، وقبل أن أدخل المدرج مباشرة، أرى زميلين لنا، بدت ملامحهما حزينة ويتابدلان الحديث، لمحني أحدهما، فقال لي دون أن تسمع صديقتي : " قوليلها.. متسبيهاش كده.. قوليلها إنها هتموت الليلة دي"
نظرت له غاضبة وهمست بضيق : "لأ مش هتموت.. أنا مش هسيبها تموت"
تأملني بأسى، وهز رأسه كعلامة لرفضة تصرفي..

جلسنا بالمدرج، هي خلفي مباشرة، تتابع ما يشرح بانتباه شديد.. وأنا أنظر لها على فترات كي أطمئن عليها.. فقالت مؤنبة لي : "انتبهي للمحاضرة"..
انتهت المحاضرة، لملمنا دفاترنا وبقية أغراضنا، وكما اعتدنا نتشارك طريق عودتنا للمنزل.. وفي الشارع، ونحن نسير سوياً، كلما اقترب منها أحد، أجذبها الناحية الأخرى، كلما وقفت سيارة يريبني مظهرها، أبعدها عنها.. قالت وهي تضحك :"بطلي تعملي كده.. هكون كويسة.. بس بطلي"..
نظرت لها بحزن.. ونظرت لي مبتسمة..
واستيقظت..
مر على هذا الحلم ما يقرب العام..

أذكر عندما علمت بخبر وفاة صديقتي، اتهمتهم بالكذب.. رفضت أن أصدق هذا.. هي لم تمت!!.. هاتفها خارج نطاق الخدمة.. ولم ترد على الرسالة التي بعثتها ليلتها.. لكنها ستيجبني.. أعلم هذا!!

أدركت الأمر بصعوبة.. فالعشرات لا يتفقون على كذبة واحدة!.. ولكن لم أنا؟.. هذه الأشياء لا تحدث لنا.. إنها تحدث للآخرين.. أن تموت صديقتك في انفجار لسيارة مفخخة!!!!!!!!.. لهي قصة مسلسل تلفازي أجنبي لا تحدث لنا نحن البشر العاديين!!!

وهنا.. انتابني شعور عارم بالذنب.. كيف لم أحمها!! كيف لم أنقذها!! كيف لم أحذرها!!،  كنت أحمِّل نفسي المسؤوليه.. كنت أبكي بحرقة كلما مر هذا الخاطر بي..
حمَّلت نفسي ذنب موتها.. ثم حلمت هذا الحلم.. لأستيقظ باكية.. وأتساءل "كيف كان لي أن أعلم!! كيف كان لي!!"..

أتذكر آخر لقاء لنا..
الصباح الباكر.. مصادفة.. في الشارع.. قد كنت متجه لكليتي. وهي بعد أن غيرت مجال دراستها لكلية أخرى، قد كانت صدفة غريبة.. وبسبب شوقي لها والمفاجأة، بكيت واحتضنا بعضنا، تبادلنا أخبارنا والعتاب اللطيف "ابقي اسألي" "والله حاضر".. افترقنا بعد قطعنا وعداً لكلينا أن نلتقي ونقضي يوماً كاملاً سوياً كما اعتدنا..
وأتذكر آخر كلماتها لي، بعثتها على صفحتي الشخصية "وحشتيني.. يارب أشوفك قريب"..

لكن لا مفر من تقبل الواقع.. نعم أشتاق إليها..
ونعم إن طريقة موتها لفاجعة كبيرة..
ونعم أبكي حتى الآن كلما تذكرتها..
ولكن.. وبمرور الوقت.. نتعلم كيف نتغلب على أحزاننا الخاصة والقوية..
حزني كما هو.. بقوته وعمقه.. لكني تعلمت كيف  أقاومه.. كيف لا أنهار أمام موجاته الغامرة..

قد أبكي.. لكني أمسح دموعي بذكرى باسمة..
قد قررت أن لا أسمح للحزن أن يطغى على الذكريات الجميلة.. ويحولها لنقاط ضعف أهابها..
النهاية حزينة.. لكنها مكتوبة فقط في الصفحة الأخيرة..
وما يسبقها من صفحات.. فسطورها سعيدة، مبهجة، ومشرقة..
هكذا أتقبل الحقيقة..

أتذكر إلحاح صديقة لي أن أكتب عن صديقتنا وعن وفاتها ومدى حزننا..
لكني رفضت.. فلم أقدر وقتها.. ولم أقدر حتى الآن..
قد أظلمها بسطوري وكلماتي الضعيفة..
لكني أكتب عني هنا.. عن فقدي وحزني.. وعن محاولتي للتعامل معهما..
أما عن صديقتي..
فلم تزرني في أحلامي من جديد..
وأعترف أن بالحديث عنها دموعي تغلبني..
وكم أفزع كلما تذكرت طريقة موتها..
فمازلت أحمل قدراً كبيراً من الحزن علي مقاومته لفترة طويلة..
وكلما حلت الذكرى.. كل ما أقدر فعله.. هو دعاء أنطق به لربي..

ولطالما كان الله عوناً لنا في مصائبنا..