الاثنين، 21 مايو 2012

صديقي العزيز..



صديقي العزيز.. إليك تلك الصورة الساذجة والسخيفة التي تنتابني عندما أفكر فينا بعد عدة سنين..
أعتقد أننا وعندما نكبر.. و يتقدم بنا العمر.. وعندما نلتقي في مكان عام.. تحت شجرة قديمة.. وكرسي حجري عتيق.. وعندما أتأملك.. بشيب شعرك الذي ينتشر في رأسك بأناقة ودقة..
أتخيلك وأنت تستند على عكازك.. نعم يا صديقي أتخيلك بعكاز مُطّعم بالعاج أو الفِضة.. مُزين بنقوش دقيقة ورقيقة.. تلف حول عنقك منديل حريري مزركش.. ألوانه زاهية.. فذقنك الارستقراطية لن ترضى بأقل من هذا.. ملامحك توحي بهذه الهيئة المستقبلية.. توحي بها جداً..
أما عني أنا.. فسأرتدي حذاءً رياضي.. وملابس هادئة الألوان.. ملابس لن تخلو من لمستي الطفولية.. قد تجدني أحمل دبوس بوجه ضاحك.. أو رسمت قلباً في مكان ما على حذائي.. أو أحمل ميدالية طفولية ملونة.. تلك أشيائي الطفولية السخيفة التي لا أتخلى عنها أبداً..
لكني أظل أميل للتبسط كعادتي.. هنا أسأل نفسي : "هل ستظل عاداتي ترافقني؟.. هل يا تُرى؟"
سنبتسم يا صديقي.. ينتبادل التحيات.. ونتجذاب أطراف الحديث..
بطريقتنا التي عهدنا.. ليبدو الكلام وكأن نصفه لم يُقال..
هناك كلمات وكلمات وراء ما ما نطقنا من كلمات..
هناك ابتسامات خفية.. وابتسامات شبه شقية..
فالبوح لم يعرف أبداً طريق بيننا.. نحن نحب أن نكون غامضين سوياً..
أعتقد أننا سنتلكم عن العُشاق.. هؤلاء الذين نراهم.. أونعرفهم.. ونضع فرضياتنا وحلولنا وفلسفتنا.. ونختلف.. ونحترم اختلافنا..
فدائماً ماختلفنا يا صديقي.. ودائماً ماحترمنا هذا..

سَندّعي الحكمة.. والعقل الرشيد.. ونضحك على سخافات الآخرين.. فنحن لم نُخطيء مثلهم.. ولم نتهور مثلهم.. وهنا سؤال آخر يأتيني بصوتٍ خافت : "أنحن أجبن منهم؟.. أم فعلاً نحن نعرف طريق الصواب؟!"

صديقي.. أعلم ساعتها أنك ستبدأ بمهاجمتي.. بطريقتك المعهودة.. بابتسامة ولؤم..
بطريقتك التي لا أقدر أن أُمِسك عليك فيها أيَّ خطأ.. أن أجِد فيها أيَّ ثَغرة أهاجمك منها.. ستبدأ بالكلمات والتلميحات بابتسامتك الواسعة والخبيثة.. ابتسامتك تلك التي أحبها..
أعتقد يا صديقي أنك ستزداد لؤماً مع الأيام!!..
أما أنا.. فسأغضب وأنزعج.. وأتهمك باللؤم الشديد.. فتدعي البراءة كالعادة.. فاضطر لتغيير الموضوع.. فأنا بارعة في هذا.. وسأظل..
لتظل هذه مواضيعنا المعلقة والمفتوحة دائماً وغير المنتهية..

أعتقد أنك ستضحكني بعدما أزعجتني.. كي يرتاح ضميرك أو كي تتجنب انتقامات وتوعداتي لك..
ليظهر هذين الخطين حول شفتي.. أعتقد يا صديقي أنهما سيزدادان عُمقاً مع الزمن.. فأنا لا أذكر وجودهما في طفولتي أو صباي.. أعتقد هذا..

سنصمت.. سنتأمل الناس.. وسنقول بعض كلمات بأعيننا ونبتسم.. وسننظر لساعتينا بطريقة تمثيلية واضحة.. وندعي أن الوقت قد تأخر.. سنفترق وكل منا يتمنى للآخر أمنية صادقة من قلبه..
ونحن نعلم أن كلماتنا لن تنتهي.. ونعلم أن معظم كلماتنا لم تُقال..
أجمل أحاديثنا دائماً ما نؤجلها..
هو حب التشويق الذي يملأنا.. أو رهبتنا..
نحن نهاب بعضنا أحياناً يا صديقي..

صديقي العزيز..
كل ما قلته هو اعتقادات ساذجة.. تحوم حول رأسي كسحابات صيف رقيقة.. بعيدة.. وخفيفة.. لا ظلال لها..
سحابات سرعان ما تنقشع بتيارات هواء الواقع..
كلها خيالات يا صديقي
ولكن ما أنا متأكدة منه أننا أصدقاء جداً..
وأننا نحمل من الود في قلوبنا ما يغنينا عن كلمات رغبنا في قولها ولم نقولها ولن نقولها..
فجمال بعض الأشياء كما أؤمن في غموضها ونقصانها..
في قابليتها للإحتمال والفرضيات أكثر منها واقعية وملموسة..
جمالها أنها خيالات.. لها بريقها الخاص.. سحرها الخاص..
وأعلم أنك تفهم ما أريد قوله يا صديقي..
أعلم أنك تفهمني جيداً..