السبت، 26 فبراير 2011

دفــتــر ذكــريـــات



خلعت نظارتي الطبية وأخذت رشفة من الشاي المعطر بالنعناع.. بخاره العطر..... أتنفسه ليملأ صدري دفء فأغمض عيني في استمتاع.. هذا حقا ما أحتاجه في ليلة باردة كهذه.. أدير جهاز الموسيقى.. وأتامل عقارب الساعة وهي تغني في رتابة أغنيتها الأبدية
ستكون ليلة طويلة أقضيها بمفردي..

أعدت نظارتي مرة أخرة فوق أنفي.. لأعيد قراءة ما بدأت.. فقد كانت سهرتي مع الذكريات قد بدأت منذ ساعة
أقلب في صفحات مذكراتي.. مررت على ذكريات كدت أن أنساها أو أتذكرها بصعوبة حقا
مررت على أناس لن أكذب لو تساءلت "من هؤلاء؟!!!".. فبعض هذه الأسماء تلاشت صورة أصحابها من ذهني تماماً

أمرر الكوب الدافء بين أصابعي الباردة.. كان ولازال هذا الشتاء قارص.. وقاسي..
الهواء في الخارج يعلن غضبه بعواء طويل.. عواء يجعلك تتخيل صورة لا تود تخيلها بمفردك.. أرتعش نافضة عني تلك الأفكار....وأعود لمذكراتي..

أدور بين الصفحات.. تبتسم شفتي.. أو تدمع عيني.. وتتحسس أناملي الآثار الغائرة لبعض الرسمات.. ينتابني خاطر.. قد كنت مجدة في كتابة مذكراتي.. متى تخليت عن تلك العادة؟!!.. لا أذكر

وبين الأسماء والأحداث.. بين الذكريات.. انتبهت لشيء أدهشني.. عدت أفتش في الصفحات من جديد بسرعة.. تتقافز أصابعي بين السطور.. وورقة وراء ورقة.. ولم أجده!!
عدت بظهري للوراء.. ذكريات أعوام دونت بعناية بالتاريخ واليوم والساعة.. ولم أذكره بين اوراقي..
وكأني أسقطه عمداً.. لا لم أسقطه.. لم أجرء يوماً على التخلي عنه.. رغم مرور عدة سنوات على افتراقنا.. وسنوات أكثر على اجتماعنا.. إلا أني أذكره.. بكل تفاصيله..

يبدو أني لم أكتب عنه.. هو الوحيد.. لكثرة تفاصيله..

بامكاني حتى الآن أن أكتب عنه.. فلم أنس شيء.. أذكر كل تلك الذكريات بكل التفاصيل.. بكل الكلمات التي قلناها ولم نقلها.. هذا سبب آخر لعدم ذكره.. هو من دون نفسه بنفسه.. في ذاكرتي..
أمسكت القلم فتحت صفحة جديدة.. سأكتب عنه.. ليذكر اسمه كالبقية.. من أين أبدأ.. وبماذا أبدأ.. كل ذكرياتنا بداية جيدة.. حتى يوم افترقنا رغم اني أذكر ذلك الوجع جيدا.. إلا أنه حرص على ان يبتسم.. ابتسامة لمن يراها يظن أننا في أول لقاء.. وأننا سنلتقي بالتأكيد من جديد.. كانت تهمه دوما الذكرى الطيبة.. هذا ما كان يقوله.. وهذا ما أثبته.. فأنا مبتسمة الآن..

أضع القلم جانباً.. حتى الكتابة عنه تحيرني مثلما حيرني هو.. أكُتِبَ عليه ألا يُكتَب بين صفحات ذكرياتي.؟. يبدوا أنه أثبت لي الآن كما بثبت لي دوما على ذكائه.. لقد اختار عقلي وقلبي.. ليُكتَب فيهما.. كان يعلم أني أدون كل شيء.. كنت أقول له دوماً أنه بعد زمن طويل سأنشر هذه المذكرات ككتاب.. وأضحك في خبث قائلة "سينهال على أصحاب تلك الأسماء المدونة بالدعاوي.. إن هنا من القصص مايخرب الكثير من البيوت" كان يضحك.. ويتهمني بالعبثية.. لكنه لم يسألني قط ما كتبته عنه.. لم يسألني قط!!

أغلقت دفتر الذكريات أمامي.. ونظرت للساعة المعلقة.. عقاربها لم تمل بعد من أغنيتها العتيقة.. أسمع صوت طرقات المطر بالخارج.. وأطلق تنهيدة..أضع يدي على قلبي.. لم أنسه بعد.. لم أقوى على هذا.. فهو لا ينسى.. لا ينسى أبداً
خلعت نظارتي.. ولم أتجرأ على اخذ رشفة أخرى من كوب الشاي فقد برد حقاً.. أغلقت جهاز الموسيقى.. واتجهت للفراش.. أغمضت عيني وأنا أفكر.. فيما قد كتب في قلبي.. وفيما حلمت ورغبت تلك السنوات.. وبما خططت.. وبما نلت بعد تخطيطي

أدرك أن كل شيء مسير بقدر.. أدرك أنه رغم مثالية الكثير من تلك القصص التي دونت.. والتي لم أدون.. كلها تتبع قاعدة القدر.. والله هو القدر.. شئت أم أبيت.. فأنا لا أملك كل خيوط اللعبة.. لكن دوما ما كنت أثق في شيء واحد فقط.. أن الله يقدر الخير دوما.. وان بدا شر.. فهو خير.. وليكتب الله لي الخير في غدي وما تبقى من أيام حياتي..

أبتسم.. عودة الذكريات تلك حمسني لأن أشتري يوم غد دفتر جديد.. لأدون مذكراتي  من جديد

نمت وأنا أحلم بما سأدون..
لكني...
لن أدون ما لم أدونه قــط..


هناك تعليق واحد:

  1. No comment!
    ra2e3a be kol el maqayees :) e7sas-ha 3aly awy and really touched me :):)

    ردحذف