الثلاثاء، 11 يناير 2011

وكلانا في الصمت سجين (2)

"العنوان مقتبس من قصيدة للشاعر الكبير فاروق جويـــدة"
 *************************************************


لم يدر ما شعر به ساعتها.. فقد توقفت كل أفكاره ومشاعره، أكمل العامل:
"بس خلّي بالك.. إللي بعمله ده ممكن يقطع عيشي.. مش أي حد يعمل كده"
مد يده إلى جيب قميصه، وأخرج كل مابه من نقود و أعطاها للعامل الذي أخفى النقود سريعا وهو يقول:
"أنا قلت انك ابن حلال وتستاهل ان الواحد يساعدك"
ارتدى "البالطو" كوسيلة للتخفي، لم يدر كيف سار في ممرات المشفى.. او كيف صعد كل تلك السلالم، لكنه وجد نفسه أمام حجرتها والعامل يقول له:
"ادخل بسرعة، قدامك نص ساعة على ماتيجي الممرضة"
لم يجد الوقت ليتضايق من اسلوب العامل أطرقة حديثه، دلف الحجرة في هدوء شديد وأغلق بابها خلفه، ثم استدار
لتقع عينيه على الفراش، على كل تلك الأسلاك والأنابيب وعليها... على جسدها الضئيل ووجها الشاحب النائم
اقترب في صمت.. صمت يخترقه صوت جهاز القلب بصفارته الكئيبة، لم يدر ماذا يفعل.. هي نائمة كملاك.. ود لو كان مكانها
ركع جوار الفراش، وامسك يدها الصغيرة الباردة في رفق
لم يستطع ترجمة ما يجتاح كيانه.. لكنه تمنى لو توقف العالم هنا.. لو توقفت حياته هنا.. ليشعر ما يشعره إلى الأبـــد
احتضنت أصابعها أصابعه.. أجفــل.. رفع رأسه في فزع ليراها تبتسم في ضعف، قال في خجل:
"أنــا.. أنــا"
قاطعته في وهن:
"شــشــشــشــشــش.. عــارفة.. أنا عــارف"
لم يفهم ما جرى له.. لقد أخذ في البكاء.. انفجر باكيا وكأنه طفل صغير.. دفن وجهه في كفها وبكى بصوت عالٍ.. لقد فقد السيطرة على نفسه..
بكى كمن يغسل كل خوفه وحزنة وفزعة بدموعه.. بكى كمن نال الرحمة والغفران
شعر بيدها الأخرى على رأسه، تربت عليه في رفق وتقول:
"أنا برضو كنت خايفة أوي.. خايفة لأموت من دون ماتحس بيا.. أو تعرف إللي فيا"
رفع رأسه وقبل يدها.. لم يعد يقوى على الكلام.. حتى لو تكلم، ماذا يقول؟!!!.. لا توجد كلمات خلقت لتصف ما هو فيه الآن
وقبل أن يقرر ردة فعله، وجد باب الحجرة يفتح، والعامل يقول في توتر:
"يلّا يا أستاذ.. الممرضة جاية دلوقتي.. يلّا الله يسترك"

نظر لها في هلع، أيتركها؟؟.. كانت لاتزال مبتسمة، وهي تقول بصوتها الخفيض الدافيء:
"روح دلوقتي.. لسة في بكرة"
ترك يدها كما يترك الغريق طوق النجاة.. عيناه الخائفتين تتعلقان بوجهها الباسم، والعامل يجذبه في إلحاح: "يلّا يا أستاذ.. هتودينا في داهية"
خرج مع العامل مسرعا، وعاد إلى السيارة.. جلس على المقعد وقلبه لا يتوقف عن النبض في قوة.. لأول مرة منذ أيام يبتسم، ويشعر بكل تلك السعادة.. يشعر بكل تلك الراحة
أغمض عينيه لوهلة.. ليستجمع أفكاره.. لكنه لم يستطع فتحهما.. خانته قواه أخيرا.. ونـــام
أخيرا تسللت السكينة إلى نفسه.. وتمتلكها.. لينام على مقعدة في السيارة.. أمام نافذتها
ينام وهو يشعر بأنها هي التي تحرسه
بأنها هي من أنقذته
وأنقذت روحه

هناك تعليقان (2):

  1. mesh momken rahebaaaaaa
    la bgd ra2e3aaaaaa, touched me geddan :)
    2oslobek ra2e3 as Usual Maha :)

    ردحذف
  2. so happy inaha 3gbetak 7amdy =D
    thx a lot :)

    ردحذف